Monthly Archives: سبتمبر 2013

والله خير وأبقى

هذه العبارة الموجَزة كانت جزءًا لَهِجَت به ألسنة السَّحَرة أمام فرعون بعد أن توعَّدهم بسوء العذاب.

 (قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ  إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)) (طه).. (وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى).

كُليمات قليلة، لكنها تحمل معاني عظيمةً، وكيف لا وهي تقول لكل ظالم إنَّ لظلمك حدودًا لا يمكنك تجاوزَها، فمهما بلغت سلطتك ومهما منعت فلن تستطيع أن تمنع قلبًا من الاتصال بربه، ولن تستطيع أن توقف فيضَ السكينة والحنان واللطف والرحمة الإلهية التي يغدق بها المولى على قلوب أحبابه.

وهي سلوى لكل من أجبر على ترك داره ووطنه وأصدقائه وأحبابه، فباب المحبوب الأعظم لا يمكن لأحد أن يغلقه أو يحول دونه، فهو يتجاوز حدودَ الزمان والمكان (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً(9)) (المزمل: 9).

وهي عبارة عظيمة ترْبِتُ على كتف كل مبتلًى، فتذكره بأن أعظم حرمان يمكن أن يُحرمَه هو أن يُحرَمَ من الله؛ فمَن فَقَدَ اللهَ فَقَدْ فَقَدَ كلَّ شيء ومن وجد الله وجد كل شيء.. ألم يقل حبيبنا محمد- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- لربه بعد حادث الطائف وما تعرض من إيذاء واستهزاء “إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي”؟!

من هناك ندركُ بعضًا من معاني التوجيه النبوي: “تعرَّف على الله في الرخاء يعرفْك في الشدة”، فلا بد أن نتعرَّف على الله، وأن تنشأ بيننا وبينه علاقةٌ متينةٌ ليصبح سبحانه نِعْمَ الصاحب في السفر، والرفيق في الطريق، والأنيس في الخلوة.

ولئن كنا لا نستطيع أن نصل إلى مرتبة الخلّة مع الله، ففي مرتبة الصحبة متسَعٌ لنا جميعًا إن أردنا ذلك بصدق، وتحركنا نحو الوصول إليها من خلال التعرف الصحيح عليه سبحانه.

تأمَّل معي قوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43)) (الأنبياء)؛ أي أن هناك مَن يُصحب وهذا ما يدل عليه مفهوم المخالفة من هذه الآية كما يقول الإمام ابن القيم.

وعندما يمنُّ الله- عزَّ وجلَّ- على عبدٍ من عباده بهذه النعمة فإن ذلك لهو الفوز العظيم في الدنيا قبل الآخرة، ولِمَ لا وقد دخل العبدُ بهذه الصحبة جنة الدنيا، وذاقَ حلاوةً لا يوجد لها مثيلٌ، وتمتَّعَ بعزِّ الاكتفاء بالله والاستغناء به عن كل ما سواه.

فإن أصابه مكروه ردَّد (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) (التوبة)، وإن تشابكت أمامه الأحداث قال: (إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء: من الآية 62)، وإن تعرَّض لظلمٍ ولم يستطع الدفاع عن نفسه تذكَّر (وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) (الفتح: من الآية 28)، يردِّد دائمًا مثل قول الشاعر:

فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب

إذا صحَّ منك الودُّ فالكل هيِّن وكل الذي فوق التراب تراب

فهو دائمًا في رغبةٍ نحو ربه، يسعد بمناجاته، ويكلمه على الحضور، ويبث إليه شكواه، وكلما استبدَّ به الشوقُ إليه هرَع نحو كتابه يقرأُه بتلهُّف وفرَح، فينسكب داخله شراب الأنس والسرور به سبحانه فتهدأ ثائرة أشواقه- ولو قليلاً- ويتملكه شعور عجيب بأن الدنيا كلها قد أصبحت تحت قدميه، وأن الله خيرٌ وأبقى، فيبتسم ابتسامة الراضي عن ربه، المتشوق للقائه.

د مجدي الهلالي

كيف نربي أبناءنا أخلاقيا

abna

الإنسان كائن ذو جوانب متعدِّدة؛ منها الجانب الروحي والجسدي والغريزي والأخلاقي، وكل جانب من هذه الجوانب يحتاج إلى التهذيب والتوجيه والتربية، وسنتناول -إن شاء الله- كيفية تربية الأبناء من الجانب الأخلاقي.

من سنة إلى ست سنوات

– تعليم الأخلاق والآداب العامة من خلال ربطها بحب الله له إذا فعلها.

– الابتعاد عن التخويف بالنار.

– التعليم باللُّطف ودون إحراج خاصة أمام الآخرين.

– الابتعاد عن الأساليب المباشرة في التوجيه، فلا تقل له: افعل، أو لا تفعل كذا. ولكن قل له مثلاً: ماذا يحدث إذا فعل الإنسان كذا؟ وسينتبه هو للضرر الذي يمكن أن يتسبَّب فيه.

– علِّمه الأخلاق بالقصة:

فمثلاً تحكي له قصة الولد الكذَّاب الذي ادَّعى الغرق غير مرَّة، والناس يُنقذونه؛ فلما تعرَّض للغرق فعلاً كذَّبه الناس، وتركوه يغرق.

علِّمه التعاون من خلال قصة العجوز وأولاده، وكسر الحطب.

– نُعَلِّمه آداب الحديث بالتمثيل؛ فتتظاهر الأمُّ بالكلام، والأب بمقاطعتها، ونسأله: هل نستطيع الكلام والفهم بهذه الطريقة؟

– في هذه السن علِّمه آداب الطعام بهدوء، وصحِّح له أخطاءه (تناول الطعام وهو مغلق الفم – عدم الحديث أثناء المضغ – عند وجود ضيوف ضع له الطعام منفردًا، أو مع مَنْ هم في مثل سنه – الأكل بيمينه ومما يليه – عدم بعثرة الطعام).

– عند الخطأ الجسيم نُعاقبه بعدم الحديث معه، لا بالضرب.

من ست سنوات إلى اثنتي عشرة

– في هذه السنِّ يُمكن استخدام الأسلوب المباشر في التوجيه بالإضافة إلى الأساليب غير المباشرة؛ ولكن دون إهانة.

– التعرُّف على أهل زملاء الأبناء في المدرسة له أهمية كبيرة في السيطرة على أخلاقهم.

– تعليم الأبناء حب النبي صلى الله عليه وسلم من خلال قصص السيرة:

أ‌- احكِ له قصة معاذ ومعوذ ابن عفراء في غزوة بدر.

ب‌- حدِّثه عمَّنْ أساءوا للنبي صلى الله عليه وسلم، ووجِّهْهُ للمشاركة في الردِّ عليهم، والدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم.

– تعليم الحلال والحرام قضية مهمة:

أ‌- (اضرب مثلاً بالأغاني الماجنة، أو الفتيات غير المحجبات، أو المدخنين).

ب‌- قُمْ بتحويل قناة التلفاز عند ظهور مشهد غير أخلاقي.

– بر الوالدين:

علِّمه البرَّ بك وبوالدته من خلال القصة والقدوة؛ (احك له قصة الثلاثة الذين أُغلِق عليهم الغار، وتضرَّعوا إلى الله بأعمالهم الصالحة- اصطحبه دائمًا في زيارات والديك وأقاربك).

أ‌- احكِ له مواقف عملية كنتَ تفعلها مع والديك، واجعله يفعلها معك؛ كتقبيل أيدي الوالدين مثلاً.

ب‌- علِّمه تقبيل رأس الوالدين إجلالاً وإكرامًا – إظهار الفرح بمجيئهما – لا يبدأ أحد من أبنائك الأكل على سفرة الطعام حتى يبدأ والدهم – عدم دخول أحدهم مكانًا وأحد والديه يمشي خلفه، أو يجلس في صدر مجلس دونه، أو يُبدي إزعاجًا ولعبًا وقت نومه وراحته.

ت‌- اهتم بتحفيظه أناشيد عن الأم والأب.

– الجود والسخاء من الأخلاق المهمة:

أ‌- أعطه كل فترة مبلغًا ولو يسيرًا يُعطيه لفقير.

ب‌- أعطه مبلغًا يضعه في صندوق المسجد.

– علِّمه آداب الطريق:

أ‌- احكِ له حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن حقِّ الطريق.

ب‌- علِّمه آداب الطريق وعدم الالتفات في الطرق، وعدم النظر في البيوت، ورد السلام، وعدم إلقاء ما يُؤذي المسلمين بالطرقات، والمشي بالهدوء والسكينة.

ت‌- ابعث ولدك لقضاء بعض أمورك التي يستطيعها، ثم اسأله: ماذا قلتَ؟ وبماذا رددتَ؟ وبماذا ختمتَ كلامك؟ وصحِّحْ له أخطاءه، وأَرْشِدْهُ إلى السلام عند الدخول والخروج بتحية الإسلام.

– علِّمه استقبال الضيوف، وحُسن التعامل مع الجيران:

أ‌- البشر بلقائهم وتحيتهم وجُمل الترحيب بهم، وكذلك جمل السرور والسعادة عند اللقاء وعند استعمال الهاتف.

ب‌- أظهر له قيمة الجار، والواجب على كل مسلم تجاه الجار، وأن جارك جنتك أو نارك.

ت‌- أَكْثِر أمامه من الإهداء إلى جيرانك، ومراعاتهم، وعدم إزعاجهم.

– علِّمه الرحمة بالإنسان والحيوان والطير من خلال حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد دخلت امرأة النار بسبب هرَّة حبستها حتى ماتت، ولم تُطعمها ولم تسقها، ولم تتركها تأكل من أطعمة الأرض، فما كان جزاؤها إلا أن أدخلها الله النار[1].

– علِّمي ابنتك فريضة الحجاب:

أ‌- قولي لها: إن الحجاب يُرضي الله تعالى، ويُدخلها الجنة.

ب‌- قَبِّحِي في نظرها الفتيات المتبرِّجات في الطريق، وامنعيها من مشاهدتهن في التلفاز.

ت‌- اشتري لها حجابًا جميلاً، واجعليه جائزة لها عن تفوُّقِهَا مثلاً، أو طاعتها لوالديها.

من اثنتي عشرة إلى ثماني عشرة

– المصاحبة من أفضل الطرق للتربية في هذه السنِّ عمومًا.

– نربط لهم بين حُسن الخلق، ورضا الله تعالى ودخول الجنة، وبين سُوء الخلق وغضب الله تعالى ودخول النار.

– نُراعي وجود هفوات نُنصت إليها دون انفعال؛ حتى لا نفقد صراحة الابن.

– ضرورة معرفة أصدقاء الأبناء وصديقات البنات، والتقرُّب من الجميع؛ حتى يمكن السيطرة على التربية، واستبعاد السيئ.

– نفتح قنواتٍ للحوار مع الأبناء لا تنغلق؛ يمكننا من خلالها تقويم الأخلاق، وإعطاء الخبرات.

– مصاحبة الأبناء للصلوات، وخاصة صلاة الجمعة، ومناقشتهم في ما ورد في الخطبة.

– دفعهم إلى تبنِّي مشروع أخلاقي مع أصدقائهم وزملائهم في المدرسة؛ كمشروع الصدق؛ وذلك من خلال تبنِّي حملة لالتزام الصدق، والبُعد عن الكذب من خلال لوحات يكتبونها ويُعَلِّقونها، أو شرائح كمبيوترية يُهدونها لبعضهم.

– نُرَكِّز على الأخلاق المتعلِّقة بالشجاعة، والقوَّة بالنسبة إلى الذكور.

أ‌- أول الشجاعة أن نعلِّمه أن يقول رأيه بصراحة -دون تجاوز- وأن نُنصت له، ونناقشه.

ب‌- عدم رؤية الأفلام المرعبة، ولو كانت قليلة التخويف؛ فالخوف له عواقب وخيمة على طفلك، فلا تجعله يرى مثل هذا أبدًا.

ت‌- علِّمْه كيفية الضرب والمنازلة ولو معك على السرير في غرفتك، وقل له: أنت بطل غلبت والدك.

ث‌- قل له: هذه المضاربة والقوة في وجه الأعداء.

ج‌- أحضر له الألعاب التي تُعَلِّمه الشجاعة، واصحبه معك إلى الملاهي، وراقبه واجعله يعتمد على نفسه.

ح‌- اشترك له في أحد الأندية لممارسة ألعاب القوة؛ كالمصارعة والكاراتيه -إن كان يُحِبُّها-.

وضِّح له الفرق بين الشجاعة والوقاحة، وبين استخدام القوَّة لأخذ الحقوق، ونصرة المظلوم، وبين استخدامها لظلم الآخرين من خلال قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الفتاتين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 المرجع : كتاب ابنك المشكلة والحل.

السيد محمد محمد علي كمالي يحضر افراح الساده آل هليل والغليقه

 شرف السيد محمد كمالي اﻻبن اﻻكبر لفضيلة الشيخ السيد محمد علي كمالي حفل زواج الشريف محمد بن عبداللطيف الهليل  في مدينى الرياض بقاعة حياة اﻷفراح يوم الخميس السادس من شهر ذي القعدة 1434 هـ الموافق الثاني عشر من سبتمبر 2013 م.

 وكان في استقباله الشريف خالد الحمدان العضيدان والشريف خالد الهليل كما التقى السبد محمد بالشريف ابو سعد العضبدان عمبد آل عضبدان والمؤرخ المعروف وكذلك الشريف احمد الباصم النعيمي المؤرخ والنسابة المعروف  كما التقى بشبوخ شمل السادة اﻻشراف بالمدينة المنورة ومكة المكرمة وجازان من اللذين شرفوا حفل الزواج وفضيلة الشبخ السبد محمدعلي كمالي يتقدم بالتهنئة الخالصة للسادة آل هليل والغليقه بزواج اﻻبن متمنيا له حياة زوجية سعيدة.

وقد التقطت الصور التذكارية بهذه المناسبة السعيدة..

1

kamaly 1

 

2

kamaly 2

3

kamaly 3

4

kamaly 4

والله ليتمن هذا الأمر !

تربص المتربصون بالمؤمنين.. هالهم أن توجد دعوة أخلاقية إيمانية راقية في مجتمعهم المليء بالموبقات والكوارث الانحلالية.. فزعوا من كلمة لا إله إلا الله.. هربوا من الإسلام وحامليه.. وانطلقوا ينهشون في أجساد الصالحين، معلنين بكل وقاحة أن جريمة المؤمنين أنهم يقولون ربنا الله!!

شعر بعض المخلصين أن هذه قد تكون النهاية، وأن المشروع الإسلامي في طريقه للفشل، وأن اجتماع أهل الفسق والفجور سيقضي على أحلام الأتقياء.. شعر البعض بهذه المشاعر الحزينة، فذهبوا مسرعين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كَحَلٍّ أخير، يطلبون فيه أن يرفع يديه إلى السماء ويدعو الله بالنصرة، فهو مُستَجاب الدعوة، قريب من الله..

كان المتكلم عنهم هو خباب بن الأرت رضي الله عنه، وكان عذابه على أيدي الكفار رهيبًا، فقد كُوِي بالنار، حتى امتلأ ظهره بالحفر!!

ماذا كان رد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

ردُّ فعله هو رسالتنا للراغبين في تطبيق شرع الله، والطامحين في أن ينالوا درجة العاملين المجاهدين الصابرين..

يحكي خَبَّاب بن الأَرَتِّ -رضي الله عنه- فيقول: شَكَوْنَا إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ».

رسائل واضحة

إن هذا الموقف الجليل ليعطينا رسائل واضحة تبين لنا طبيعة الطريق وصفته:

الرسالة الأولى: سيظل أهل الباطل متربصين بالمؤمنين حتى مع وضوح الرسالة وجمال الأخلاق، فليس هناك أعظم من الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، وليس هناك أروع من جيل الصحابة بأخلاقهم الدمثة وسلوكياتهم الراقية، ومع ذلك لم يمنع هذا التمايز الأخلاقي الواضح جنودَ الفساد من التعدي الصارخ وغير المبرَّر على المؤمنين، وإن كانوا يعلنون حججًا تافهة يتذرعون بها أمام المراقبين أنهم ما قاموا إلا نصرة للحق، وحفاظًا على الوطن، وهذا الدين -كما يدَّعون– يُفرِّق المكَّيَّين، ويصنفهم إلى مُلتزم بالعقيدة الإسلامية وغير ملتزم بها؛ ومن ثَمّ فحفاظًا على وحدة الوطن لا بُدَّ من سحق هذه الطائفة المؤمنة.

عندما نرى هذه الصورة الفجَّة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا نستغرب ما يحدث الآن مع أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذه إذن سُنَّة كونية.

 

الرسالة الثانية: في رواية من روايات هذا الحديث -وهي في البخاري- وصف خباب بن الأرت -رضي الله عنه- رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عندما بدأ في الرد أنه “قَعَدَ وَهُوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ”، وهذه علامة غضب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولعلَّ البعض يتعجب من غضبه صلى الله عليه وسلم من طلب خباب، فهو لم يطلب إلا الدعاء والنصرة، ولكن الذي دفع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذلك هو إحساسه أن خبابًا -رضي الله عنه- قال هذه الكلمات وهو في حالة من حالات الإحباط، والإحباط ليس من شيم المؤمنين، ولا يجوز لهم أصلاً.. قال تعالى: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ} [الحجر: 56].

فهذه رسالة إلى جموع المؤمنين على مدار التاريخ: أن شعوركم بـ”اليأس” في مرحلة من مراحل الدعوة -ايًا كانت هذه المرحلة- هو شعور يُغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثَمّ فهو يغضب الله عز وجل، ولا ينبغي لمسلم أن يسمح للإحباط أن يتسلل إلى نفسه.

الرسالة الثالثة: ذَكَّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبابًا بالتاريخ، فأشار إلى أقوامٍ عُذِبوا وأُوذوا أكثر من العذاب والأذى الذي تعرَّض له خباب، فبالقياس إلى ما سبق يعتبر أن ما تعرض له خباب والصحابة أهون بكثير مما مضى.

وفي هذه الرسالة ندعو القرَّاء إلى مراجعة التاريخ البعيد والقريب؛ ليدركوا حقيقة هذا المعنى .. ..

لقد أرانا الله أنه على كل شيء قدير، وأنه بما يعملون محيط، وأخرجنا من كل الأزمات أقوى ممّا كنا، وأفضل مما حلمنا، وأكثر نجاحًا مما توقعه أشد متفائلينا.. وثبت لنا بالدليل القاطع أن حساباتنا البشرية شيء، وتدبير رب العالمين المهيمن سبحانه شيء آخر.

التاريخ القريب – وكذلك البعيد عندما نحسن قراءته- يثبت أن الله يُخرِج المكروبين من كربهم، وينصر القليلين على ضعفهم، بطرقٍ لا يفهمها ولا يتوقعها أحد من الخلق، فنصر المؤمنين أحد آياته ومعجزاته، وأحد أدلة ألوهيته، فلا بد أن يتم ويكتمل.

الرسالة الرابعة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم جَزَمَ بشكل قاطع أن الله سيتم هذا الأمر؛ الإسلام.. وليس هذا إتمام دعوة فقط، ولكن إتمام تمكين أيضًا؛ حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله، والذئب على غنمه، وأقسم على ذلك، وأكَّده بمؤكدات لغوية متعددة.

فوالله ليُتِمَّنَّ الله هذا الأمر، ولينتشرنَّ الأمن في ربوع البلاد، وليعلونَّ شأن الإسلام حتى يطبقه الناس في أدقِّ تفصيلات حياتهم، ولتُرفعَنَّ رايات التوحيد في العالم أجمع.

ووالله ثم والله، ليحدثَنَّ هذا وأكثر، مهما أرجف المرجفون، أو حقد الحاقدون، أو مكر الماكرون والمجرمون والمفسدون، فهو قدر هذه الأمة، ومستقبلها الذي وعدنا به القدير سبحانه.

الرسالة الخامسة: على عِظَم هذه الأمنية.. أمنية تمام الإسلام وتمكينه.. إلا أن الأمر النبوي المباشر هو ألاَّ نستعجل.. فلله حكمة في التأخير، وهو قادر -سبحانه- على نصرة المؤمنين، وكشف أوراق الفاسدين بكُنْ فيكون، ولكنه يؤجِّله لأجلٍ معلوم؛ فوجود العجلة من المسلمين قد يكون علامة ضعف يقين، أو قلة صبر، أو بوادر إحباط.. وهذا كله خطير ومرفوض؛ ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي».

بل يجب أن يعمل المسلمون في جدٍّ واجتهاد، وفي حميَّة ونشاط، حتى وإن كانت الأحداث التي يشاهدونها غير مُشجِّعة، أو توحي في اعتبارات الكثيرين بغلبة أهل الباطل على أهل الحق.. والله سينزل النصر حتمًا في الوقت الذي يريد، وبالطريقة التي يريد.

إن هذا الموقف المتفائل ليس موقفًا فريدًا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا شبيه أو مثيل.. كلا، إنه موقف متكرر رأيناه كثيرًا.. رأيناه في كل سنوات مكة في تعدي أهلها عليه.. ورأيناه عند عودته من الطائف، ورأيناه عند هجرته إلى المدينة وترك الديار والأهل والأموال.. ورأيناه عند اضطراب دولته في أول عهدها، ورأيناه في مصيبة أحد، وكذلك عند حصار الأحزاب، وعند الاصطدام مع الرومان، وعند إرجاف المنافقين، وغير ذلك كثير.

إنها السُّنَّة الماضية.. مهما بلغ الألم فستكون له نهاية، ومهما اشتدَّ الظلم فسيأتي زمن العدل، ولا يأتي الفجر إلا بعد أحلك ساعات الليل.

إنها ليست أحلام فيلسوف، أو أمنيات مُصلِح، إنما موعود رب العالمين..

{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110].

ونسأل الله أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.

د. راغب السرجاني

ما صالحني مولاي إلا وأنا حافٍ ..

ما صالحني مولاي إلا وأنا حافٍ ..


هذه لحظة عاشها الإمام الزاهد الورع بشر الحافي .. لحظة التوبة .. لحظة الصلاح .. لحظة القرب من الله .. وإليكم ما روى من كتاب (التوابون) للإمام عبد الله بن قدامه :

” حكي أن بشرا كان في زمن لهوه في داره، وعنده رفقاؤه يشربون ويطيبون. فاجتاز بهم رجل من الصالحين ، فدق الباب .

فخرجت إليه جارية، فقال: صاحب هذه الدار حر أو عبد؟ فقالت:

بل حر! فقال: صدقت، لو كان عبدا لاستعمل أدب العبودية وترك اللهو والطرب. فسمع بشر محاورتهما فسارع إلى الباب حافيا حاسرا وقد ولى الرجل. فقال للجارية: ويحك! من كلمك على الباب ؟

فأخبرته بما جرى. فقال: أي ناحية أخذ الرجل؟ فقالت: كذا، فتبعه بشر حتى لحقه; فقال له: يا سيدي! أنت الذي وقفت بالباب وخاطبت الجارية؟ قال: نعم. قال: أعد علي الكلام. فأعاده عليه.

فمرغ بشر خديه على الأرض وقال: بل عبد! عبد! ثم هام على وجهه حافيا حاسرا حتى عرف بالحفاء. فقيل له: لم لا تلبس نعلا؟ قال.

لأني ما صالحني مولاي إلا وأنا حاف. فلا أزول عن هذه الحالة حتى الممات. “

وما أجمل هذه الكلمات التي قرأتها ولم أصل لكاتبها : ” أجمل لحظات عمرك حين تعاند الشيطان وتغلبه وترجع إلى ربك من بعد طول غياب فتطرق بابه ويفتحه لك ويقبل توبتك ” ..

وما أروع هذه الدمعة التي تسقط في هذه اللحظة وما أشرفها : حيث يبدع حسين بن سعيد الحسنية : ” تلك الدموع التي ما نزلت من أعين أصحابها إلا وفيها صدق المحبين وشوق العاشقين , ورجاء الخائفين .. تلك الدموع التي سايرتها حرقة الذنب , وألم المعصية , وندم التجاوز .. تلك الدموع الهاطلة الغالية بغلاء مضمونها , والمرتجفة بارتجاف صدر صاحبها , الصادقة بصدقه أوبة مالكها .. ليست كباقي الدموع بل هي الدموع الزكية التي لا يخالطها رياء ولا غش ولا جمود .

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ليس شيء أحب إلى الله تعالى من قطرتين وأثرين : قطرة دموع من خشية الله وقطرة دم تهراق في سبيل الله , وأما الأثران فأثر في سبيل الله تعالى وأثر في فريضة من فرائض الله تعالى” رواه الترمذي وصححه وحسنه الألباني .

وقال عليه الصلاة والسلام :” ثلاثة لا ترى أعينهم يوم القيامة , عين بكت من خشية الله وعين حرست في سبيل الله وعين غضت عن محارم الله “حسنه الألباني

وقال الحبيب عليه الصلاة والسلام :- ” طوبى لمن ملك نفسه ووسعه بيته وبكى على خطيئته ” رواه الترمذي وحسنه الألباني .